أبناء الحسين | شباب كربلاء وشباب أولي البأس: جراح متصلة وسيوف لا تنكسر

دماء واحدة… وراية واحدة

حين ودّع الإمام الحسين القاسم بن الحسن، ابن أخيه وفلذة كبده، لم يكن ذلك وداعًا عاديًا. القاسم، الفتى اليافع، جاءه يسأله: «يا عمّاه، أفي سبيل الله أنا؟»، فأجابه: «نعم بني». فكان من أوّل من سقطوا على تراب كربلاء الطاهر. وفي أولي البأس، كم من شاب جاءه نداء العمليات، فلبّاه بعينين تلمعان لا خوفًا، بل عزمًا! كان منهم محمد وعلي ومهدي، شباب عشرينيّون، حملوا على أكتافهم أرواحهم، ودخلوا ساحات النار، وهم يرددون: «لبّيك يا حسين!»

في كربلاء، كان علي الأكبر، القاسم بن الحسن وجمع من شباب آل محمد، في ريعان أعمارهم، اختاروا الشهادة على المذلة، وخرجوا طوعًا لحماية القيم، لا طمعًا في دنيا ولا خوفًا من موت. تقابلهم اليوم وجوه شابة من الجنوب، من رميش وعيتا والضاحية والنبطية وبنت جبيل، شبّان لم يعرفوا الراحة، وكانوا طلاب جامعات، موظفين، متطوعين في الدفاع، تركوا كل شيء لحظة نداء الواجب، وصعدوا إلى المعركة

السعيد حسن بيز

شهداء أولي البأس: أبناء كربلاء في غياب الإمام

حين نقف أمام سيرة الشهداء الذين ارتقوا في معركة "أولي البأس"، لا يمكننا إلا أن نعود بالذاكرة إلى كربلاء عام 61 للهجرة، حيث جسّد 
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام أسمى معاني الفداء والبذل.

هؤلاء الشهداء، ساروا على خطى أصحاب الحسين عليه السلام، قدموا أرواحهم أشلاء، تُركت أجساد بعضهم في العراء، ومنهم من لا يزال مفقود الأثر، دون أن يكون إمامهم حاضراً أمامهم، بل غائبٌ عن الأنظار. فكيف لو كان بينهم؟ كيف كان سيكون حالهم لو سمعوا نداء "هل من ناصر ينصرني" مباشرة؟

إنها ليست مبالغة ولا استعارة؛ فشباب أولي البأس هم تلامذة مدرسة كربلاء. رأوا في كل جبهة صورة كربلاء، وفي كل رفيق درب زهير وحبيب. لم يُغرِهم متاع الدنيا، ولا أخافهم جبروت العدو، اتكلوا على الله ومضوا، بعزيمة من قال: "إني لا أرى الموت إلا سعادة". هم أنصار الحسين في زمن الغيبة، الذين يمهّدون الطريق لصاحب العصر والزمان، الإمام المهدي عجل الله فرجه، كما وعدنا بذلك سماحة السيد حسن نصر الله حين قال: "إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء مع انتصار الحق على الباطل

الشهيد السعيد حسن علي بيز

الشهيد حسن: دم الحسين في العروق

في سيرة الشهيد حسن نموذجٌ حيّ من تلك الملاحم. شاب مقاوم مغوار، سرت المقاومة في دمه، واستقرت في وعيه ووجدانه.

عاشوراء: طقوس الحياة والدمعة

لم تكن عاشوراء تمر مروراً عادياً في بيت الشهيد حسن. كان يرتدي السواد من المحرم إلى الأربعين، بل أكثر. لا يغسل لفة عنقه التي يمسح بها دموعه في المجالس، لأنها، ببساطة، مغموسة بالحبّ والولاء والدمعة على الحسين.

من مدرسة الحسين... إلى سوح الجهاد

حمل أمانة والده الشهيد، وواصل المسير مع رفاقه، متسلحاً بعقيدته، متمسكاً بنهج الحسين. علاقته بالإمام الحسين عليه السلام لم تكن طقسية عابرة، بل كانت حيوية، حاضرة في كل تفاصيل حياته، في لباسه، في حزنه، في دموعه، وحتى في علاقته بأسرته، إذ سمّى ابنته "زينب"، تيمناً بسيدة الصبر والمواقف

جسدوا الوعد... فانتصروا

شهداء أولي البأس، كما الشهيد حسن، لم يكونوا فقط مقاتلين، بل كانوا رواة كربلاء الجدد، حملوا رسالة عاشوراء، ونقلوها إلى ميادين العصر، فجسدوها واقعاً لا يُمحى.

أم حسن الصابرة

مقابلة مع والدة الشهيد حسن علي بيز

السعيد ساجد شحادة

ساجد: نبضٌ من كربلاء في زمن أولي البأس

حين يُذكَر الشهيد ساجد، لا يمكن فصل اسمه عن عاشوراء. لم تكن مجرّد ذكرى أو مناسبة موسمية تمرّ عليه، بل كانت شهرًا مقدسًا بكل ما للكلمة من معنى. كان يترك كل ما بين يديه ليحضر المجالس، يعطيها حقها من الحضور والخدمة والدمعة. ما إن يُرفع الأذان للمجالس حتى يكون في الحسينية، يسبق الكثيرين، يساعد من يحتاج، يواسي من يتأثر، ويبكي إن سمع سيرة كربلاء. لكن دموعه لم تكن دموع ضعف، بل دموع عشق وحرقة.

الشهيد السعيد ساجد مصطفى شحادة

عاشوراء... زمنه المقدّس

كان يردد دائمًا: "الحسين ما بدّه نبكي عليه، بدّه نمشي بدربه."
وهذا ما فعله ساجد... بالفعل لا بالقول.

آخر عاشوراء... وموعد الهريسة

آخر عاشوراء شهدها ساجد كانت مختلفة، كما روى أهله. كانت النظرة في عينيه غير عادية، وكأن قلبه على موعد قريب.
في تلك الليلة، وبينما كان في عمله، تفاجأت العائلة بدخوله المفاجئ وقت تحضير الهريسة. التقت العيون، وامتلأت القلوب بالفرح.

وجه الشبه مع أصحاب الحسين

ليس عبثًا يُشبه ساجد وأمثاله بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام. فكما واجه أولئك ظلمًا عظيمًا وقلة عدد، كذلك ساجد ورفاقه، واجهوا احتلالًا مجرّدًا من الإنسانية، بلا تردد، بلا خوف، بل بإيمان أن الدم هو السلاح الحقيقي.

ساجد: قلبه في كربلاء... وعينه على زينب

دائمًا ما كان يردّد: "نلبي بأرواحنا... مش بس نحكي."
وقد لبّى فعلاً، فكانت شهادته خير تلبيّة.

أم ساجد المخلصة لدماء ولدها

مقابلة مع والدة الشهيد ساجد مصطى شحادة